لا يعرف العاشق اللقاء، بل يعرف الانتظار والاشتياق حتى في القرب، وهكذا كان أمير العاشقين جميل بن معمر، المعروف باسم جميل بثينة، والذي نسب إليها لشدة ولعه بها، كان يزداد اشتياقاً إليها إذا دنت منه، أما إذا نأت فإن الدار هي التي تنأى، ويرد سبب هيامه الشديد بها إلى تعلق روحه بروحها حتى قبل خلقهما. نستمع إلى أروع ما كتب في الغزل
بصوت د. علي بن تميم
إذا ما دنتْ زدتُ اشتياقاً، إن نأتْ جزعتُ لنأيِ الدارِ منها وللبعدِ
أبى القلبُ إلاّ حبَّ بثنة ِ لم يردْ سواها وحبُّ القلبِ بثنة َ لا يجدي
تعلّقَ روحي روحَها قبل خَلقِنا، ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهدِ
فزاد كما زدنا، فأصبحَ نامياً، وليسَ إذا متنا بِمُنتقَضِ العهد
يكاد فَضِيضُ الماءِ يَخدِشُ جلدَها، إذا اغتسلتْ بالماءِ، من رقة ِ الجلدِ
وإني لمشتاقٌ إلى ريح جيبها، كما اشتاقُ إدريسُ إلى جنة ِ الخلدِ
لقد لامني فيها أخٌ ذو قرابة ٍ، حبيبٌ إليه، في مَلامتِه، رُشدي
وقال: أفقْ، حتى متى ّ أنتَ هائمٌ ببَثنة َ، فيها قد تُعِيدُ وقد تُبدي؟
فقلتُ له: فيها قضى الله ما ترى عليّ، وهَلْ فيما قضى الله من ردّ؟
فإن كان رُشداً حبُّها أو غَواية ً، فقد جئتهُ ما كانَ منيّ على مدِ
وما زادها الواشونَ إلاّ كرامة ً عليّ، وما زالتْ مودّتُها عندي
أفي الناس أمثالي أحبَّ، فحالُهم كحالي، أم أحببتُ من بينهم وحدي